قتال اليهود يجلب الانتعاش الاقتصادي :
لئن كانت دولنا الإسلامية تتحجج بالتكاليف الباهظة للحرب مع اليهود وتأثيرها السيئ على الاقتصاد – الذي تدهور أصلاً بسبب وجود تلك الفئة الخبيثة في قلب الأمة الإسلامية – فالواقع أن قتل اليهود وقتالهم كفيل بإنعاش الاقتصاد وجلب الرخاء على المنطقة بأسرها كما حصل مع المسلمين في خيبر .. فالجيش الإسلامي كان يعاني من مجاعة شديدة ونقص في العدة والعتاد حتى أنهم اضطروا إلى طبخ حُمُر أهلية سلبوها من اليهود، ولولا نزول تحريمها في تلك الساعة لأكلوها.. لذلك فقد اشتكى نفر منهم فقالوا: "لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء" فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه قائلاً:"اللهم قد عرفت حالهم وأنْ ليست بهم قوة وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها[1] عنهم غناء وأكثرها طعاماً وَوَدَكاً[2]" ، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ .. وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه ..
وعن ذلك يروي البخاري عن ابن عمر قوله: "ما شبعنا حتى فتحنا خيبر"، وما رواه عن عائشة رضي الله عنها قولها: "لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر"، ولما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل.
وأيامنا هذه تشهد على ذلك فجهاد الشعب الفلسطيني الذي تجسد في الانتفاضة المباركة أثمر عن انتعاش كبير للأوضاع الاقتصادية في المناطق المحتلة إبان الانتفاضة أشار إليها صاحب كتاب الانتفاضة المباركة - وقائع وأبعاد– بقوله : "أثمرت الانتفاضة المباركة عن توحيد الشعب الفلسطيني، وطمس المسميات المصطنعة التي حاول البعض من خلالها تفريق الشعب إلى فئات : "ضفة"، "قطاع"، "عرب 48" . وتجسدت هذه الوحدة في تضامن جميع المدن والقرى مع بعضها البعض . كما أبرزت أخلاقاً وقيماً رائعةً غابت كثيراً عن مجتمعاتنا، ولكن الانتفاضة أبرزتها على أرض الواقع مثل : الإيثار، التعاون، الشهامة، البطولة، وغيرها، حيث تناقلت وسائل الإعلام قصصاً ووقائع تجسد المعاني المذكورة.
نذكر على سبيل المثال منها مسارعة سكان فلسطين المحتلة عام 1948م إلى نجدة إخوانهم في الضفة والقطاع بشاحنات محملة بمعدات الإغاثة والمواد التموينية.
كما هب أهل القرى بنجدة المناطق المحاصرة كمخيم بلاطة ومخيمات جباليا والشاطئ والنصيرات وغيرها . وضرب الناس أمثلة رائعة في التكافل، حيث بادر أصحاب المتاجر إلى فتحها أو نقلها لبيوتهم ودعوة كل صاحب حاجة لأخذ حاجته دون مقابل. وأعفى أصحاب البيوت المؤجرة ساكنيها من الأجرة، وقام الحرفيون بتعويض متاجر المتضررين بالأقفال والأبواب وغيرها[3]".
ولم يقتصر ذلك على أهل فلسطين بل اتسعت الدائرة لتشمل العالم العربي والإسلامي فهبت الشعوب لدعم تلك الانتفاضة ونشطت الجمعيات الخيرية في أرجاء المعمورة وأفتى العلماء بفضل التصدق وإنفاق المال لنصرة أهل فلسطين في انتفاضتهم وبجواز إخراج الزكاة في هذا الوجه، وانهالت التبرعات للمجاهدين ولأسر الشهداء والمعتقلين والمطاردين، ولسائر المشاريع الخيرية على أرض فلسطين كما لم يحدث ذلك من قبل ..كل ذلك ببركة الجهاد في سبيل الله ضد أحفاد القردة والخنازير .
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- كانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون هي : حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ وحصن قلعة الزبير وتقع هذه الحصون الثلاثة في منطقة يقال لها النطاة، وحصن أبي مع حصن النَّزار ويقعان في منطقة تسمى بالشق . أما الشطر الثاني – ويعرف بالكتيبة – ففيه ثلاثة حصون فقط هي : حصن القموص وحصن الوطيح وحصن السلالم . وكان في خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية إلا أنها كانت صغيرة لاتبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها - الرحيق المختوم ص 354 – 3