النصر على اليهود وعد إلهي لا يخلف :
في كتابه القيِّم "حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية" يتبنى الدكتور صلاح الخالدي تفسيراً حديثاً لحقيقة الوعد الأول والوعد الآخر والإفسادين المقترنين بالعلو الكبير لبني إسرائيل في هذين الوعدين.. فيسوق الدلائل والبراهين على أن الإفساد الأول لليهود كان في المدينة وما حولها من خيبر وفدك وتيماء ويصفه بأنه "كان فساداً عقيدياً، فكانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة مقصورة عليهم، وأن عزيراً ابن الله، وغير ذلك.
كان فسادهم أخلاقياً، فكانوا يعملون على إفساد أخلاق العرب من حولهم، وكان فسادهم اجتماعياً، حيث عملوا على تفكيك وإضعاف صلات العرب الاجتماعية.
وكان فسادهم علمياً، حيث روجوا لإسرائيلياتهم، ونشروها بين العرب، وهي لا تعدو كونها خرافات وأساطير.
وكان فسادهم سياسياً، حيث أفسدوا حياة القبائل العربية السياسية - إذا صح التعبير- ونشروا بينهم الخلاف والنزاع والفرقة، وحرصوا على ربط هذه القبائل بهم في صورة أحلاف، حيث كانت كل قبيلة عربية متحالفة ومرتبطة بقبيلة يهودية.
لقد أفسد اليهود كل مظاهر ومرافق ومجالات الحياة العربية، في منطقة المدينة قبل الإسلام، وتحكموا في المال والاقتصاد عند العرب، ويكفي أن نعلم أن سوق الذهب في المدينة كان بيد اليهود، وأن "السوق الكبير" للتجارة والبيع والشراء كان بيدهم، وأن "المال" كان بيدهم، وأنهم أرهقوا العرب بالقروض الربوية الباهظة[1]".
أما إفسادهم في المدينة بعد البعثة فكان أبرز سماته تكذيبهم لبعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونبوته ومعاداتهم له وخوضهم الحروب وتحزيبهم الأحزاب ضده مع علمهم بأنه النبي الحق الذي يجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم ويعرفون صفاته أكثر من أبنائهم، بل إن عداوتهم له كانت منذ ليلة مولده وقبل بعثته وقبل هجرته وبعدها .. وقد قام النبي – صلى الله عليه وسلم – هو والصحابة الكرام- رضي الله عنهم – بإزالة ذلك الإفساد وقطع دابره عبر عدة مراحل " احتلوا فيها ديار اليهود، داسوها بأقدامهم، وحطموا كيان اليهود عليها، ثم دخلوها وجاسوا خلالها، وتغلغلوا فيها..[2]"
وعلى ذلك فيمكن التأريخ لبداية تنفيذ الوعد الأول بغزوة قينقاع (شوال 2هـ ) ولنهايته بغزوة خيبر ( صفر 7هـ ) ..والتي احتوت بدورها على وعد إلهي بالنصر على اليهود ضمن الوعد العام (وكان وعداً مفعولا [3])، فقد قال المفسرون: إن خيبر كانت وعداً وعدها الله تعالى بقوله "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها[4] ..".
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم –بشَّر الصحابي محمد بن مسلمة -رضي الله عنه – في بداية الغزوة بقوله :" أبشر يا محمد بن مسلمة ! غداً إن شاء الله تعالى يُقتلُ قاتل أخيك، وتُولِّي عَادِيةُ[5] يهود".
وقد تحقق ذلك الوعد – وعد خيبر – ليتحقق به الوعد الأول ويتم من خلاله إنهاء الوجود اليهودي في جزيرة العرب والتخلص من مكائدهم ومؤامراتهم ودسائسهم، وطوال أربعة عشر قرناً من الزمان لم يرتفع لهم بعدها علم، ولم تخفق لهم راية، حتى كانت معركة الخامس من حزيران عام 1967م التي سقطت فيها القدس وبسط فيها اليهود سيطرتهم على كامل التراب الفلسطيني الطاهر والجولان وسيناء خلال ستة أيام ..ومع أنهم يحاولون إقناع أنفسهم بأنهم حصلوا على "أرض الميعاد" وأن القدس التي يسيطرون عليها حالياً ستكون عاصمتهم "الأبدية" فإن ذلك لا يغير أبداً من حقيقة أنهم لن يحتملوا في صراعهم معنا لهزيمة واحدة (كهزيمتهم في خيبر) وستكون نتيجتها إنهاء وجودهم كلياً من هذا الوجود وهو ما نوقن به ويخشاه كثير منهم ..
إن المقولات التي تتردد في زماننا هذا عن قوة اليهود واستحالة مواجهتهم ومجابهتهم وحتمية السلام معهم إنما هو قول متهافت تكذبه وقائع التاريخ وتردُّه آيات الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ففي الصراع مع اليهود بالذات وكما ذكرنا سابقاً، بَيَّن الله تعالى نتيجة المعركة معهم مسبقاً وربط ذلك بوعد منه .. ولا يخلف الله الميعاد..
فكما تحقق ذلك الوعد الأول الذي تم إنجازه تماماً في غزوة خيبر فلابد أن يتحقق الوعد الآخر في صراعنا معهم على المسجد الأقصى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما د خلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا[6]" .