[center]من خلال تلك القافلة الكريمة، والركب القريب من الله منذ عهد سيدنا آدم (عليه السلام).. مروراً بالمصطفين الأخيار، إلى تلك العائلة الطيبة (آل عمران) التي تعرفنا عليها من خلال لحظات قربها من الله رب العالمين، من حنة (امرإة عمران) التي دعت ربها في لحظة صدق وقرب، واستجاب الله الدعاء، وكانت الثمرة المباركة مريم (عليهما السلام).. ثم زكريا الذي دعا هو الآخر ربه بلحظة قرب ومناجاة وانفراد وخفاء.. عندما رأى خوارق العادات مع من كان يكفلها، وكانت الثمرة يحيى (عليه السلام).
ثم الموقف الثالث من القصة، مريم الصديقة التي وهب الله لها الولد من غير ان تطلبه عيسى (عليه السلام).
مولد عيسى، تلك العجيبة الكبرى في عرف الناس، والشأن العادي للمشيئة المطلقة!!
قد شاء الله أخي، بعد نشأة آدم، أن يجعل لإعادة النشأة الإنسانية طريقاً معيناً، التقاء ذكر وانثى، ومضى مألوف الناس على هذه القاعدة، حتى شاء الله -سبحانه- أن يخرق هذه القاعدة في فرد من بني الإنسان، فينشؤه نشأة قريبة من النشأة الأولى، وان لم تكن مثلها تماماً، أنثى فقط تتلقى النفخة، فتنشأ فيها الحياة!! الظلال 587/1 .
* ((إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ)).
لقد كانت المرحلة الاولى لمريم (عليها السلام) تعرفها على طلاقة قدرة الله حين أعلنت بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب ثم المرحلة الثانية واصطفاء الله اياها على نساء العالمين وكان ذلك ايناساً من الحق لها لتدخل مريم إلى مرحلة جديدة.
* ((إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ)): تأهلت مريم (عليها السلام) بالتطهر والقنوت والعبادة لتلقي هذا الفضل، واستقبال هذا الحدث، وها هي ذا تتلقى (لأول مرة) التبليغ عن طريق الملائكة بالامر الخطير.
* ((إِنَّ اللَّهَ)): الملك الأعظم الذي لا كفء له، ولاراد لأمره.
* ((يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ)): والبشرى بأمر مفرح وعظيم، والكلمة يراد بها كلمة التكوين، كما في حديث خلق الإنسان (ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه واجله..)
ووصف عيسى (عليه السلام) بكلمة مراد منه كلمة خاصة مخالفة للمعتاد في تكوين الجنين، بدون الاسباب المعتادة.
وقوله ((منه)) للابتداء المجازي أي مبتدئة منه -سبحانه- بدون واسطة اسباب النسل المعتادة.
انها بشارة كاملة وافصاح عن الامر كله، والبشارة لا تكون الا بخبر عظيم مفرح والمسيح بدل من الكلمة في العبارة، وهو الكلمة في الحقيقة!!.
وهذه أخي من طبيعة السر الذي لا يعلمه الا الله، سر الحياة التي لابست أول مخلوق حي، كان خلقه مباشرة من التراب الميت! وهذه كتلك في صنع الله، نحن قد لا نعلم كيف أخي، ولكن الله يعلم ويعلمنا: انها نفخة من روحه، وان الأمر قد تم بكلمة منه -سبحانه- ثم بين الله -سبحانه- لنا حقيقة هذه الكلمة:
* ((اسمه المسيح)): وقوله ((اسمه)) لقدرة وبيان لفضله على يحيى (عليهما السلام) حيث لم يجعل له في البشارة به مثل هذا الذكر، وأصل هذه التسمية (المسيح)): انه كان في شريعتهم، من مسحه الامام بدهن القدس كان طاهراً متأهلاً للملك والعلم والمزايا الفاضلة. فدلنا الله -سبحانه- أن عيسى (عليه السلام) كان ملازماً للبركة الناشئة عن المسح وان لم يمسح.. ودهن المسحة هو الزيت المعطر الذي أمر الله موسى أن يتخذه ليسكبه على رأس أخيه هارون حينما جعله كاهناً لبني إسرائيل.. وصارت كهنة بني إسرائيل يمسحون بمثله من يملكونهم عليهم من عهد شاول الملك فصار المسيح عندهم بمعنى الملك. التحرير والتنوير 264/3.
أو ان تكون من آياته أن يمسح على المريض فيبرأ والعلم في اللغة العربية يأتي على ثلاثة انواع: اسم ولقب وكنية فالاسم يطلق على المسمى، واللقب يُشعر برفعة صاحبه او بضعته، أما ما كان فيه أب أو أم فيسمى كنية.
فـ (المسيح) هو اللقب، و (عيسى) هو الاسم، و(ابن مريم) هو الكنية.
أما المسيح الدجال، فسمي به لأنه يسيح في الأرض أي يطوفها ويدخل جميع بلدانها الا مكة والمدينة وبيت المقدس، فالدجال يمسح الأرض محنة، وابن مريم يمسحها منحةً. القرطبي 89/4.
* ((عيسى ابن مريم)): وأعلم أخي ان الخطاب لمريم، فلم قيل لها ((عيسى ابن مريم))؟
يقول صاحب الكشاف لأن الابناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب الا إلى أمه، ثم في هذا مدح له في فهو (ابن العابدة). 363/1.
وذلك رد لمن ضل في أمره، وفخم ذكره (عليه السلام) بجعله الكلمة نفسها وبابهامه ثانياً ثم تفسيره.
فتضمنت بهذه البشارة نوعه، واسمه ونسبه، وظهر من هذا النسب أن مرجعه إلى أمه..
ثم أتم لها البشارة بأوصاف جعلها أحوالا دالة على صفته ومكانه من ربه تحقيقاً لظهور أثر الكلمة عليه.. فقال.
* ((وجيهاً): صيغة مبالغة من الوجاهة، وهي التقدم على الامثال، والكرامة بين القوم، وأصل معناه الوجه وهو أكثر شيء محترم في الإنسان بعلو ظاهر فيه.
فالوجيه ياخذ سمة وتميزاً بحيث يستحي الناس أن يردوه ان كان طالباً. مثلما يقول السائل، اعطني لوجه الله.
* ((في الدنيا والآخرة)): ولما كانت الوجاهة بعد الموت مختلفة عما هي في الحياة ذكرت الأولى ثم الثانية معطوفة بالواو اشارة إلى تمكنه في الصفات!! البقاعي 89/2.
ولكن أخي لك أن تسأل ما هي وجاهة عيسى في الآخرة وخصوصاً أن كل وجوه المؤمنين ستكون ناضرة؟
لقد نص الحق على وجاهة عيسى في الآخرة لأنه سوف يُسأل سؤالا يتعلق بالقمة الإيمانية فيجيب:
((...قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ)).
* ((ومن المقربين)): عند الله، ارحم الراحمين ففتنة الناس بعيسى ابن مريم لا تؤثر في مكانة عيسى (عليه السلام)، انه مقرب من الله، وأهل الجنة منازل ودرجات وأقربهم إلى ربهم..
((والسابقون السابقون، أولئك المقربون)).[/center]